الطبيعة لدى الشاعر
إستنطقت قلبي المكل وليت لي في ذات روحي ربوة شماء
لأقمت فيها العمر في محرابها والروض ثوبي والسماء رداء
تعد من المواضيع الأساسية التي استلهم منها الشعراء على مر العصور، وظهرت بكثافة في أدبهم كأحد أبرز المصادر التي يعبّرون من خلالها عن مشاعرهم وأفكارهم. هذه الطبيعة التي قد تكون هادئة وجميلة في بعض الأحيان، وقاسية وعنيفة في أحيان أخرى، شكّلت خلفية غنية للعديد من الأعمال الشعرية التي احتفظت برونقها وجاذبيتها.
عند الحديث عن الطبيعة في الشعر، نجد أن الشعراء قد نظروا إليها من زوايا مختلفة، منها ما يتسم بالرمزية والخيال، ومنها ما يتسم بالواقع والحقيقة. كانت الطبيعة بالنسبة للكثير منهم مرآة تعكس صراعاتهم الداخلية، فالأشجار والأنهار والجبال والبحار تمثل رمزًا للخلود، والموت، والحياة، وأحيانًا لجدلية الإنسان مع الكون. على سبيل المثال، استخدم الشاعر العربي القديم الطبيعة في قصائده كوسيلة للتعبير عن معاناته وحزنه، حيث كانت الأودية الجافة أو الزهور الذابلة صورًا للمشاعر المتألمة والمجروحة.
وقد عكست الطبيعة في الشعر العربي التقليدي جمالها في صور جميلة، حيث كانت الأشجار والنباتات تمثل الرمزية الخاصة بالجمال والنقاء، بينما كانت الأنهار والبحيرات تؤخذ كرمز للحياة المستمرة أو المضيئة. هذا التوجه يتجلى في العديد من قصائد شعراء مثل المتنبي وأبي تمام.
من جهة أخرى، تأثرت الطبيعة في الشعر الغربي أيضًا بعدة مدارس أدبية مثل الرومانسية والرمزية. في فترة الرومانسية، التي ازدهرت في القرن التاسع عشر، كان الشعراء يميلون إلى تصوير الطبيعة كملاذ للهروب من قسوة الحياة المدنية والصراعات الاجتماعية. شعراء مثل ووردزورث وكولريدج في إنجلترا، استخدموا الطبيعة لإبراز شعورهم بالحرية والتوق إلى الجمال الخالص الذي يُفترض أن الطبيعة توفره. في قصيدته الشهيرة "السماء الزرقاء"، يعبّر ووردزورث عن شعوره بالسلام الداخلي عندما يتأمل في الجبال الخضراء والغابات المورقة.
أما في الشعر الرمزي، فقد كانت الطبيعة أداة للتعبير عن الأبعاد النفسية والعاطفية للإنسان. وقد تميز الشعراء الرمزيون باستخدام الرموز والإيحاءات لتصوير معانٍ غير مباشرة للطبيعة، مثل الأزهار التي قد ترمز إلى الحب أو الضعف، والأنهار التي قد تدل على الزمن أو مصير الإنسان.
أما في الشعر الحديث والمعاصر، فقد استمر الشعراء في استلهام الطبيعة ولكنهم بدأوا يتعاملون معها بشكل أكثر فلسفية. فتناولت الطبيعة في شعر بعض المعاصرين أشكالًا أكثر تنوعًا، سواء كانت رمزية أو واقعية، أو حتى انتقادية. كان هذا الانتقال إلى الشكل الحداثي يعني أيضًا إظهار التوتر بين الإنسان والطبيعة، حيث يتطرق الشعراء إلى التحديات البيئية وتدهور المنظومة الطبيعية نتيجة التصنيع والأنشطة البشرية وبطش يد الإنسان بمادياتها لتؤثر معنويا.
وقد هام شعراء الرومانسيه على وجوههم إما متشاعمين أو متفاعلين فمنهم من رغب فيها ومنهم من رآها مصدر بأس وشقاء فهذا أبو القاسم الشابي مرة متشائما بما أهمه فجعل الملام على الليل والظلام فيقول :
أيها الليل يا أبا البؤس والهول 🛑🛑🛑🛑🛑🛑🛑🛑 يا هيكل الحياة الرهيب
ومرة على مزاج آخر يرى هذا المكان هو الملجأ الوحيد عندما يمتلأ من دخان الحياة فيقول ؛
ليت لي أن أعيش في هذه الدنيا سعيدا بوحدتي وانفرادي
أصرف العمر في الجبال وفي الغابات وبين الصنوبر المياد
فكل شعراء الطبيعة تقريبا يروا أنها هي فقط مكان الأنس من الوحشة والنفاق المستشري والهروب من الواقع .
قديما عند الإنسان البدائي رأى من جمالها وصمتها ما يستدعي التفكير ومنهم من رآها مصدر الإلهام ومنهم من ظل خاضئا عند محراب جبروتها . متمسكا بها فعند اليونان ارتبطت برموز وأشياء أخرى انعكس عندهم بالجمال الطبيعي المثير للإهتمام فعندما تفكر في اليونان يميل العقل في التفكير في الجملة المشهورة
" كل الطرق تأدي لروما "
بجمال مياه البحر الأبيض المتوسط الزرقاء والشواطئ الرملية ومنازل الجزر البيضاء والمواقع الكلاسيكية
![]() |
أما عند الشعراء إرتبطت عندهم بمعجم الجمال الطبيعي والإحساس الشعوري لدى الشاعر . يقول الرائع أحمد شوقي؛
تلك الطبيعة قف بنا يا ساري حتى أريك بديع صنع الباري
الأرض حولك والسماء اهتزتا لروائع الآيات والآثار
من كل ناطقة الجمال كأنها أم الكتاب على لسان القاري

جميل جداً إبداع متواصل
ردحذف