القانون الإداريS3
القانون الإداري و الإدارة:
يصعب تقديم تعريف جامع مانع لكل من القانون الإداري والإدارة بسبب العلاقة الوطيدة بينهما يجعل النظرة السطحية تؤدي إلى أن القانون الإداري هو قانون الإدارة فيرى من هذه المقولة وإن كانت سليمة في شيئ منها إلا أنه يؤخذ عليها أنها تجعل مضمون القانون الإداري محدود من ناحية مع إعطائها طبيعة مختلف الإنشطة الإدارية التي لا تعتمد فقط على القانون الإداري.
تعريف القانون الإداري و الإدارة
إشتهد فقهاء القانون الإداري في محاولة إعطاء تعاريف متعددة لهذا القانون ولذلك تعددت تعاريفه بتعدد فقهائه وذهب عبد القادر باينه إلى عدم الإقتناء الكلي بأي تعريف تم التوصل إليه و نورد نماذج من تلك التعاريف
فقد عرفه الأستاذ محمد بأن القانون الإداري قانون عام قضائي يحكم السلطات الإدارية في الدولة وهي تعمل بمباشرة وظائفها وبوصفها سلطات عامة عامة تتمتع بحق السيادة المقررة للدولة وتباشر إختصاصاتها معتمدة على ما تملكه بهذه الصفة من حقوق و تحديات خاصة.
وقد عرفه الفقيه الفرانسي خلوبادير(فرع من فروع القانون العام الداخلي الذي يشمل تنظيم ونشاط ما نسميه عادة الإدارة ويعني مجموع السلطات والقواعد و الهيئات المكلفة تحت إشراف السلطة السياسية بإنجاز مختلف تداخلات الدولة الحديثة.
ويتضح من التعريف محاولة الفقيه إبراز دور الإدارة لأنها المسؤولة عن حسن تسيير المرافق العامة دون الإعتداء بطبيعة السلطة التي تتمتع بها و هو نفس التعريف الذي تبناه روست و غارينون.
أما الأستاذ محمد خير المرقني فقد عرفه بأنه<<مجموعة القواعد القانونية المتميزة عن قواعد القانون الخاص والتي تحكم نشاط الإدارة بصفة عامة وقد صحح نفس الأستاذ تعريفه بأنه وضح بأن نشاط الإدارة المقصود هنا هو نشاطها بصفة عامة >> والمقصود أعلى نشاط الإدارة لأن القانون الإداري لا يحكم كل نشاط الإدارة بدون إستثناء
وعرفه عبد العزيز ابن جلون <<مجموعة قواعد قانونية مستقلة تطبق على الأشخاص العامة
وقد عرفه جاك بيتي بينورا<<مجموعة القواعد الخاصة التي تنظم النشاط الإداري وهو يبدو وكأنه قانون التسيير العمومي .
أما جيل لبير تون<<القانون الإداري هو فرع القانون العام الذي ينظم النشاط الإداري>> عكس القانون الخاص الذي ينظم مبدأ العلاقات ما بين الخواص ،هو يحكم علاقات الإدارة مع الخواص والعلاقات ما بين الإدارات
وتعريف الدكتور سليمان الطماوي هو ما يأكد بوضوح كثرة مدى التردد في تقديم تعريف نهائي للقانون الإدري بمعناه العضوي و الوظيفي فيحكم الهيئات الإدارية في قيامها بوظيفتها الإدارية وقد رأى أن هذا التعريف إجمالي و لا يعبر بدقة عن القانون الإداري بمعناه الفني ذلك أن كل قاعدة فنية تطبق على الإدارة في قيامها بوظيفتها الإدارية لا تنتمي حتما إلى القانون الإداري ليقدم تعريفا آخر يأكد أن القانون الإداري هو الذي يحكم الإدارةبإعتبارها هيئة أو منظمة ذات نشاط معين).
ولعل تعريف الأستاذ لهيرو يقدم جل عناصر التعريف<<مجموعة القواعد القانونية المغايرة للقانون العادي والتي تنظم النشاط الإدري للأشخاص العامة>> .
يتضح مما تقدم إعطاء تعريف دقيق للقانون الإداري ويمكن القول بأنه <<مجموعة القواعد القانونية التي تنظم الجهاز الإداري للدولة من حيث تكوينه ونشأته وبما يتمتع به من ميزات وسلطة لتحقيق المصلحة العامة وبما يفرض عليه من قيود و أحكام ضمان لحقوق وحريات الأفراد>>.
تعريف الإدارة
للإدارة معنيان مختلفان لكنهما متكاملان فالمعنى الأول عضوي والآخر وظيفي
المعنى العضوي:وفقا لهذا المعيار الذي يعتبر الإدارة مجموعة من الهيئات التي تمثل الدولة وتتدخل في نشاط المواطنين بهدف تطبيق المصالح العامة المرتبطة بالصالح العام.
وبذلك يكون هذا المعنى العضوي يرتكز على الأشخاص القائمين على تسيير الإدارة وعلى الهياكل التنظيمية الموضوعة تحت تصرفهم أي السلطات المركزية خارج صفاتها الحكومية عندما تمارس الوظائف الإدارية والمسندة إليها مثل :الولات_الحكام _الوكلاء_الوزير الأول_المدراء_رئيس الدولة إلى جانب السلطات اللامركزية الإدارية الإقليمية كالجبهات والبلديات أو كانت لا مركزية عمومية مرفقية كالمؤسسات العمومية التي تدير مرفقا معينا.
ويعرف هذا المعيار بمعيار المرفق العام وقد ظهر في القرن 19م وأصبح هو المعيار المعتمد في أحكام مجلس الدولة الفرانسي ومحكمة التنازع كأساس للقانون الإداري ومعيار لإختصاص القضائي الإداري وقد كان الحكم الصادر سنة1855م ،وديكستير الصادر1861م من الأحكام الأولى إلا أن الفقه والقضاء إعتبر أن حكم ابلانكو الصادر سنة 1873م هو حجر الزاوية في تغيير معيار المرفق العام غير أن تغيير دور الدولة وتدخلها في نشاط إقتصادي وإجتماعي وما رافق ذلك من ظهور مرافق إقتصادية وإجتماعية وصناعية ومهنية يدار بعضها من أشخاص معنوية خاصة أدى إلى صعوبة تحديد مضمون المرفق العام وهو ما أدى بالفقيه سابورون إلى التساؤل في دراسة صادرة له سنة1971م هل يمكن التصريح بأن المعيار العضوي عند القانون الإداري وهو ما كان مع ظهور معيار السلطة العامة وامتيازاتها .
المعنى الوظيفي للإدارة :
و هو النشاط الذي تقوم به السلطات الإدارية مستعملة الوسائل التي تتوفر عليها قصد تقديم و تلبية رغبات السكان عن طريق المرافق العمومية المعمول بها إلى الإدارة أو المشرفة عليها .
وهي أيضا مجموعة الأنشطة التي تمارسها الهيئات الإدارية بأنواعها,ويكون المقصود بالقانون الإداري إستنادا على هذا المعيار للقانون الذي يحكم الوظيفة ونشاط الأجهزة والهيئات الإدارية وتحدد إختصاصاتها التي تهدف إلى خدمة المواطنين ورعاية المصالح العامة، و يرى هذا المعيار أن العنصر المميز للقانون الإداري عن الخاص لا يتعلق بالأهداف أو الغايات التي تسعى الإدارات إلى تحقيقها وإنما يقوم على أساس الوسائل التي تستعملها الإدارة العامة في سبيل تحقيق تلك الأهداف,فإذا كانت هذه الوسائل تتميز بسلطات و امتيازات إستثنائية لا نظير لها في علاقات الأفراد كنا أمام نشاط يحكمه القانون الإداري ويختص بمنازعاته القضاء الإداري وهذا هو المعيار للسلطة العامة لصاحبه موريس هوريو.
هذه السلطة العامة لا تتعلق بالأوامر و النواهي وإنما تشمل نشاط إداري تمارسه الإدارة مع إستعمالها لوسائط القانون الغير مألوفة في القانون الخاص غير أن هوريو يهمل فكرة المرفق العام بل جعلها ثانوية مقارنة بالسلطة العامة أعلن الوسائل و الغاية والهدف.
المعيار الراجح في الفقه الحديث:
ظهر إتجاه حديث يذهب في ضرورة الجمع بين المعيارين السالفين بغية الوصول إلى تعريف أكثر دقة وشمول لذى عرف الفقيه الفرانسي القانون الإداري بأنه ذلك الفرع من فروع القانون العام الداخلي الذي يحكم تنظيم ونشاط الإدارة أي مجموعة السلطات و الهيئات المكلفة بتوجيه من السلطة السياسية لتحقيق الأنشطة المتنوعة في الدولة وقد أعطى الفقيه افلوبادير الأولوية للمرفق العام أي المعيار العضوي ثم يأتي إستحداث أساليب القانون العام في المقام الثاني.
المعيار العضوي هو لسد الفراق في المجالات التي يعجز عنها المعيار الأول. بينما ذهب رينيه إلى الإعتماد للمعيارين معا ولكن مع إعطاء الأولوية لمعيار السلطة العامة عن معيار المرفق العام وكان الفقيه الفرانسي العميد افيدل من أنصار نظرية الجمع بين المعيارين أو ما كانت تسمى بنظرية السلطة العامة الموسعة وحاول بعد ذلك تحديد فكرة السلطة العامة وتحديدها لتصبح أساس وحيد للقانون الإداري ومعيار لتحديد إختصاص القضاء الإداري وذهب إلى أن فقرة السلطة العامة لا تعني فقط الاستخدام القانون الإداري لإمتيازات وسلطات القانون العام بإعتبارها سلطة أخرى وإنما تشمل القيود التي تحد من حرية الإدارة وتفرض عليها إلتزامات من الإلتزامات المفروضة على الأفراد في ظل القانون الخاص ومن هذه القيود عدم إمكان تعاقد الإدارة إلا في اتباع إجراءات وشروط معينة لا نظير لها في القانون الخاص كإتبائها أسلوب المناقضات عند إختيار المتعاقد معها ومن هذا المنطلق لا يكفي إتصال الإدارة و نشاطها بمرفق عام حتى تكون بصدد تطبيق القانون الإداري وإنما يجب أن تكون قد استخدمت في نشاطها إمتيازات سلطات إستثنائة لا مثيل لها في القانون الخاص أو إلتزام بقيود محدودة غير مؤلوفة في هذا القانون وفي كلتا الحالتين يختص القضاء الإداري بالمنازعات الناشئة عن مباشرة هذا النشاط وعلى العكس من ذلك يختص القضاء العادي ويطبق القانون الخاص على كل نشاط تأديه الإدارة مستخدمة أساليب مشابهة لتلك التي يستخدمها الأفراد والتي لا تضمن إمتيازات أو شروط إستثنائية.
مصادر القانون الإداري:
إن مصادر القانون الإداري لا تختلف في جوهرها عن مصادر القانون بوجه عام بصرف النظر عن إختلاف فروعه قسمها البعض إلى مصادر رسمية ومصادر تفسيرية فالمصدر الرسمي هو الذي يسهم مباشرة في خلق قاعدة تدخل فعلا كجز من القانون الوضعي
أما المصدر التفسيري فهو لا يتدخل في خلقها بل يقدم المادة الأولى للقاعدة المزمع إنشاؤها وذلك حين يقوم الفقهاء بشرح القوانين والتعليق عليها و المصادر الرسمية بالنسبة للأستاذ عبد الرحمن بكريوي التتشريع والقضاء والعرف أما بالنسبة له فالمصدر التفسيري فهو الفقه في حين قسمها البعض الآخر إلى مصادر مكتوبة وأخرى غير مكتوبة .
المصادر المكتوبة:
يستمد القانون الإداري الموريتاني جذوره من عدة مصادر تتمثل في الشريعة الإسلامية و التشريع القضاء والعرف الفقه.
الشريعة الإسلامية
تعتبر الشريعة الإسلامية مصدرا أساسيا من مصادر القانون فقد نصت المادة الأولى من الدستور الموريتاني على أن<<موريتانيا جمهورية إسلامية لا تتجزء ....>> وتنص المادة الخامسة من الدستور على أن<< الإسلام دين الشعب والدولة >>ونصت المادة 23على أن رئيس الجمهورية هو رئيس الدولة والإسلام دينه.
الدستور و القوانين التنظيمية
وقد نص الدستور الموريتاني تضمن لكافة المواطنين المساوات أمام القانون دون تمييز في الأصل والعرق والجنس والمكانة الإجتماعية (المادة1 الفقرة 2)
يعاقب القانون كل دعاية إقليمية ذات طابع عنصوري أو عرقي المادة 1فقرة2
وبما أن الدستور مصدر من مصادر القانون الإداري لبد من التطرق للدباجة الدستورية التي تضمنت تمسك الشعب الموريتاني بالدين الإسلامي و المبادء الدمقراطية الواردة في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان و الشعوب الصادرة 10 دجمبر 1948م والميثاق الإفريقي لحقوق الإنسان والشعوب الصادرة بتاريخ 28 يوليو 1981م و الإتفاقيات الدولية التي صادقت عليها موريتانيا .
العرف:
هو قانون أي مجموعة من القواعد القانونية شأنها في ذلك شأن التشريع و هو قانون غير مكتوب .
بمعنى أن أحكامه لم توضع في وثيقة رسمية من طرف السلطة المختصة في ذلك (الأستاذ شحات بدران)
و هو أيضا تعود الناس على اتباع سلوك معين بصدد مسألة معينة لمدة طويلة مع رسوخ الإعتقاد لديه إلزام بهذه السلوك و بأن مخالفته تتطلب توقيع جزاء مادي و هو أيضا ما جرى عليه العمل من جانب السلطة الإدارية في مباشرة صلاحياتها الإدارية بشكل متواتر وعلى نحو يمثل قاعدة ملزمة واجبة الإتباع (عمار بوضياف)
و هو حسب مليكة صروخ إتباع السلطة الإدارية المختصة بأسلوب في تسيير حركة العمل و في تنظيم الإدارة و المرافق العامة و استمرارها على متابعة هذا الأسلوب مدة من الزمن ينشأ قاعدة قانونية عرفية ملزمة .
من خلال التعريف السابق يتضح أنه لقيام العرف لابد من توافر ركنين أحدهما مادي و الآخر معنوي.
الركن المادي :
هو الإعتياد على سلوك معين أي سلوك الإدارة بشيء معين أو قاعدة معينة إتجاه مشكلة بذاتها و يكون ذلك الإعتياد منتظما و موافق للقوانين إذ لا يعتبر عرفا فقيام الإدارة بمنح رخص لها الحرية في منحها أو عدمها إذ أن تكرار منح الرخص لا يترتب عليه نشوء قاعدة عرفية تلزم الإدارة تنفيذها على كل الحالات المشابهة .
الركن المعنوي:
الإعتقاد بلزوم العادة و هو الشعور بالإلزام أي رسوخ الإعتقاد لدى الإدارة بأن القاعدة أصبحت ملزمة بلزوم القاعدة سواء بسواء , وأن مخالفتها تأدي جزاء مادي بأنه حق يمكن المطالبة به أمام القضاء ،و يقصد به أن يجري الإعتقاد به لديه وهي تتبع سلوكا معينا أي أنها ملزمة بإتباعه و أن الإبتعاد عنه يعرضها للمسؤولية ويجعل عملها مقيد معيبا من حيث المشروعية.
أنواع العرف الإداري :
ينقسم العرف الإداري إلى عرف مفسر و الآخر مكمل و أضاف البعض العرف المعدل
العرف المفسر :و هو في حالة وجود نص قانوني أو تنظيمي غامض يحتوي على مصطلحات تحمل أكثر من تفسير ،فيأتي العرف التفسيري ليزيل الغموض دون إضافة حكم جديد للقاعدة الغامضة و يحذف منها حكما قائما,
العرف المكمل :
و هو يهدف إلى تنظيم موضوع سكت عنه المشرع أي في حالة وجود فراق في النص الرسمي المكتوب فيأتي العرف التكميلي لتكميل هذا النقص
العرف المعدل :
ينقسم العرف المعدل إلى قسمين العرف المعدل بالإضافة و المعدل بالحذف
العرف المعدل بالإضافة:
نكون أمام عرف معدل إذا لم يتطرق التشريع لمسألة معينة و جاء دور العرف ليقدم إضافة جزئية للتشريع فالعرف هنا أضاف قاعدة جديدة لم ترد في النص الرسمي.
العرف المعدل بالحذف :
و يتمثل في هجر الإدارة لنص تشريعي لمدة طويلة حيث تولد شعور لديها ولدى الأفراد بأن هذا النص المهجور ليس ملزم للإدارة و الأفراد.
محاضرة بتاريخ 02/11/2021
ثالثا: القضاء
يعني أحكام المحاكم المختلفة خصوصا أن دور القاضي هو تطبيق القانون لا إنشائه فهو ليس مشرعا
ثالثا: القضاء
ومن المتفق عليه أن أحكام المحاكم تعد مصدرا من مصادر القانون و مهمة القضاء تقتصر في هذا المجال على تفسير النصوص في هذا المجال في الظروف الجديدة إلا أن ظروف نشأة القانون الإداري الخاصة أتاحت الفرصة أمام القاضي المختص لكي يبتدع الحلول و يضع المبادئ بصدد ما يعرض عليه من منازعات فهو بذلك قضاء إنشائي .
رابعا الفقه :
يقصد به اسنباط المبادئ و القواعد القانونية بالطرق العلمية المقررة بواسطة الفقهاء فالفقه يقوم بشرح القواعد القانونية لبيان معناه و إيضاح شروط تطبيقها و بردها للمبادئ العامة التي انبنت عليها وبذلك يكون الفقه مصدرا استثنائيا كونه يقدم نوعا ما من الإرشاد لكل من المشرع و القاضي معا بتبيين أوجه النقص و مواضع العيب في النظم الإدارية كما يقترح بعض الحلول التي غالبا ما يأخذها بعين الإعتبار عند إصلاح القوانين.
رابعا الفقه :
النشأة
النشأة
نشأ القانون الإداري بفرانسا لأسباب و ظروف تاريخية معينة فالنظام الإداري الفرانسي كان وليد ظروفها التاريخية و أحداثها السياسية في ظروف معينة .
يرتبط القانون الإداري في نشأته بتطور النظام القضائي فيها والذي يبدأ منذ الثورة الفرانسية 17/1789 وقبل ذلك لم تكن توجد في فرانسا إلا محاكم مدنية تحكم بين الأفراد في حين أوكلت المنازعات بين الدولة و الأفراد إلى المحاكم الأخرى يطلق عليها البرلمانات القضائية و يعتبر حكم ابلانكو الصادر عن محكمة التنازع 8 فبراير 1873/ الحكم الأساسي الذي اعتمد معيار المرفق العام كمعيار لتحديد اختصاص القضاء الإداري أحمد بوعشيق
وتعود وقائع حكم ابلانكو إلى أن فتاة تسمى أنيس ابلانكوأصيبت بجروح بسبب عربة مملوكة من قبل مصنع التبق التابع للدولة و الموجود بمدينة بوردو bordo الفرانسية فرفع والدها ابلانكو دعوى تعويض عن الأضرار التي أصابت إبنته أمام المحكمة المدنية بنفس المدينة معتبرا أن الدولة هي المسؤولة عن منح التعويض للمتضررة إلا أن المحكمة دفعت بعدم الإختصاص في حكمها الصادر 17/ يوليو 1873 فرفعت القضية أمام محكمة التنازع و التي قضت أن النازلة من اختصاص القضاء الإداري معتبرة أن الإدارة كسلطة عامة لا يمكن أن تحكم مبادئ القانون المدني و المخصص لعلاقات الأفراد.
اعتمدت محكمة التنازع حكمها على معيار جديد لتطبيق القانون الإداري وتحديد اختصاص القضاء الإداري و هو معيار المرفق العام غير أن البعض يعتبر أن حكم روتشل الصادر عن مجلس الدولة بتاريخ 6 دسمبر 1855 هو أول حكم يتبنى معيار المرفق العام كأساس لتحديد اختصاص القضاء الإداري غير أن الأمر كان يتعلق بما يعرف بنظرية الدولة المدينة أو بعبارة أدق النظرية التي أكدت اختصاص القضاء الإداري في المنازعات المتصلة بتصرفات الإدارة العادية و التي تم تكريسها في حكم ابلانكو . فمجلس الدولة هو الذي ابتدع هذه النظرية في اختصاصه في جميع دعوى المسؤولية المتعلقة بدفع مبلغ من المال من قبل الدولة .
لقد أرسى مجموعة من المبادئ التى تعتبر علامة في تاريخ القانون الإداري الفرانسي وهي:
1)نص الإختصاص بالقانون الواجب التطبيق :
القانون الواجب تطبيقه على المنازعة هو الذي يحدد اختصاص الجهة القضائية وهذا يفرض تحديد طبيعة المنازعة فإذا كانت تخضع للقانون الخاص فالقانون العادي هو المختص وإن كانت تخضع للقانون الإداري فالإختصاص يرجع للقانون الإداري ويرتكز هذا المبدأ على القاعدة الأساسية التي تقول بأن<<الموضوع يحكم الإختصاص وأن الإختصاص يتبع الموضوع >>
فكرة العام كمعيار لتطبيق القانون الإداري :
أرسى حكم ابلانكو نظاما جديدا للتمييز في القضايا التي تطبق عليها القانون الخاص والقضايا التي تستوجب تطبيق القانون الإداري و هذا الضابط هو ارتباط المنازعة بالمرفق العام
مسؤولية ليست عامة و لامطلقة :
يقصد بالمسؤولية الإدارية هو أن تكون الإدارة بوصفها إحدى السلطات العامة ملزمة باحترام القانون في جميع تطبيقاتها ولا أن تقوم بعمل يخل بمبدأ الشرعية و قد أرسى القانون وسائل لذلك و هي طلب إلقاء القرارات المخالفة لذلك.
ثانـــــيــــــا:طلب التعويض عن تصرفات الإدارة التي تلحق أضرارا
أنهى حكم ابلانكو حقبة طويلة من الزمن كانت فيها الدولة تسود ولا تتحمل مسؤولية عمالها و بناءا على مرسوم 26 دسمبر 1793 و الذي نص على <<التحريم على المحاكم العادية أن تتعرض لأحكام الإدارة مهما كان نوعها وذلك تحت طائلة القانون >> القضاة لا يمكنهم التعدي على الوظائف الإدارية أو محاكمة عمال على وظائف تتصل بوظائفهم ويحظر على المحاكم حظرا مطلقا النظر في أعمال الإدارة >>
وأنه لا تستطيع إعلان الدولة مدينة إلا السلطة الإدارية كما شكل حكم ابلانكو ثورة قضائية بالنسبة للنظريات السابقة حيث أرسى مبدأ جديد مفاده أن كل المنازعات المتعلقة بتسيير المرافق العامة هي من اختصاص القضاء الإداري وبهذا تأكد إستقلال القانون الإداري بقواعده و نظرياته, غير أن العميد جورج فيدل رأى أن الحل الذي قدم حكم ابلانكو هو حلا ثوريا بل أنه أكد استشهادا قضائيا سابقا لمجلس الدولة 6أكتوبر 1855م وسنتطرق لأهم المعطيات التي مر بها القضاء الإداري بعد الثورة الفرانسية و التي تمثل في نفس الوقت نشأة القانون الإداري في فرانسا .
متابعة ........
محاضرة الدكتور:محمد ول الداه
يتبع.......
تحرير الطالب بكلية الحقوق :أبوبكر علي كيحل
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق